ما تزال الثلاثينية وداد السوسي من مدينة إدلب تصارع مع طفليها مشقات الحياة، على أمل أن يخرج زوجها المعتقل في أقبية سجون نظام الأسد منذ نحو 3 سنوات، أثناء محاولته السفر إلى لبنان من أجل العمل.
تقول وداد لـ موقع تلفزيون سوريا إنها تعمل كل ما بوسعها مِن أجل أن تعتني بأطفالها وتنفق عليهم كي لا تحتاج أحداً.
ورغم مصير زوجها المجهول وانقطاع أخباره تماماً، ترفض "وداد" فكرة الزواج مِن رجل آخر وتؤكّد انتظارها لـ زوجها، رغم جميع الصعوبات التي تواجهها مِن قبل المجتمع، الذي يقيّم ويرصد ويراقب كل تحركات المرأة المُغيّب عنها زوجها، باعتبارها أنثى بمفردها ومعيلة وربة أسرة.
آلاف المعتقلين في سجون نظام الأسد
الحرب السوريّة المستعرة على مدار 10 سنوات خلّفت آلاف المعتقلين والمفقودين في سجون نظام الأسد، وغالباً تتعرض زوجات هؤلاء المعتقلين لـ ضغوطٍ قاسية مِن قبل المجتمع، فضلاً عن تعرّضهن للاحتيال والاستغلال مِن وسطاء ومتنفذين في "حكومة النظام"، خلال بحثهن عن مصير أزواجهن.
وتتحمّل معظم زوجات المعتقلين ظروفاً نفسية واجتماعية ومعيشية صعبة، ويعشن في حيرةٍ مِن أمرهن بين التسليم بوفاة أزواجهن في المعتقلات وإكمال حياتهن دونهم، وبين الانتظار على أمل ورود أنباء تفيد بأنّ أزواجهن ما يزالون على قيد الحياة، فيبقين سجينات الانتظار ، وتُشكّل هذه الحالة مِن عدم اليقين عبئاً نفسياً عميقاً عليهن.
وتكتمل معاناة الكثيرات مِن زوجات المعتقلين والمفقودين، ويصبح المشهد أشدّ ألماً عندما يجتمع غياب الزوج واعتقاله مع قسوة ومرارة النزوح والتشرد والفقر .
أم محمد (٤٠ عاماً) من مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، اعتقل زوجها على أحد الحواجز التابعة لـ نظام الأسد أثناء توجهه إلى مدينة حماة، ونزحت برفقة أطفالها الستة مع أفواج النازحين الهاربين من قصف النظام الوحشي الذي طال المدينة قبل سيطرته عليها، واستقر بها الحال في خيمة صغيرة داخل مخيمات سرمدا الحدودية.
وتعيش "أم محمد" الآن ظروفاً معيشية غاية في الصعوبة، خاصة في ظل غياب المنظمات والجهات التي تُعنى بهذه الفئة في الشمال السوري، تزامناً مع عجز أهل الزوج عن تحمل نفقات أطفالها بسبب الظرف الاقتصادي والمعيشي المتردّي، ما يضطرها للعمل مع أطفالها في الأراضي الزراعية طوال اليوم من أجل تحصيل ما يسد رمقهم.
تتحدث "أم محمد" لـ موقع تلفزيون سوريا قائلةً "أحصل على سلة غذائية شهرية من إحدى المنظمات الإغاثية، ولكنها لا تسمن ولا تغني من جوع، لذا أضطر للعمل في الأراضي الزراعية رغم صعوبة العمل وقسوته والأجور الزهيدة التي يمنحها أرباب العمل، لأنفق على نفسي وأطفالي"، كما تشير إلى معاناتها مِن ضغوط نفسيّة كثيرة بسبب جهلها بمصير زوجها، خاصّةً أمام سؤال أطفالها المتكرّر والمستمر عن موعد عودةِ والدهم.
زوجات المعتقلين السوريين بين قسوة الانتظار ومرارة الواقع
في الآونة الأخيرة وردت أنباء كثيرة عن وفاة أعداد كبيرة مِن المعتقلين تحت التعذيب، لكن ذوي المعتقل - غالباً - لا يمكنهم التحقّق من هذه الأنباء، ورغم ذلك فقد تزوجت بعض النساء اللاتي وصلهن خبر وفاة أزواجهن في المعتقلات، ومنهن هدى (25 عاماً).
تزوجت هدى - تنحدر من مدينة كفرنبل جنوبي إدلب - بعد مرور خمس سنوات على اعتقال زوجها، الذي لا تعلم حتى الآن ما هي التهم الموجهة له، وفي أي سجن موجود، أحي هو أم ميت، رغم جميع محاولاتها ومحاولات أهل زوجها وأقاربها التي فشلت جميعها في تحري أي خبر عنه.
تقول هدى إنّ مِن حقها أن تحظى بالأمان في كنف رجل يحميها، ويتحمل مسؤوليتها، خاصة في ظروف الحرب القاسية التي تتطلب وجود استقرار عاطفي بدلاً من أن تنتظر مصير زوجها المجهول، طالما أن أمر الزواج لا يخالف الشرع، ولا ينتقص من قيمة العادات والتقاليد أو يضر بها".
سمية - الناشطة في مجال حقوق الإنسان وزوجة أحد المعتقلين - تشاطر "هدى" في الرأي وتقول "لا ألوم أي زوجة معتقل انفصلت عن زوجها في هذا الزمن القاسي، وأرى أن لأي إنسان ظروفه، المهم أن يكون كل ما تفعله المرأة حلالاَ، ووفق ما جاء به الدين".
زوجات المعتقلين يعشن معاناة مضاعفة
الباحث الاجتماعي معاذ الحلبي يقول لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ زوجات المعتقلين والمفقودين يعشن معاناة مضاعفة نتيجة غياب المعيل الرئيسي، ونتيجة الظروف الاقتصادية والمادية الصعبة التي تجبرهن على النزول إلى سوق العمل، وبسبب الحاجة فإن تلك النساء يَقبلن بممارسة أعمال تخالف طبيعتهن الأنثوية أحياناً، وبعيدة عن مقر سكنهن، وأحياناً يجدن أنفسهن مجبرات على الاختلاط بالرجال.
اقرأ أيضاً.. عاملان فرضا على المرأة السورية الانخراط في سوق العمل
لذلك يؤكّد "الحلبي" على أن "المرأة التي تكدح من أجل تأمين لقمة أولادها في غياب المعيل الأساسي، باتت تتعرض للكثير من الأقاويل والشائعات التي تمس سمعتها، وتتعرض لكل أشكال التحرش، ما جعلها في حيرة من أمرها وعاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية في حياتها".
ويرى الباحث الاجتماعي أنّه مِن الضروري للزوجة التي يتغيب عنها زوجها لـ سنوات طويلة، ترك حرية الاختيار بين الارتباط برجل آخر أو البقاء دون أي ضغوط من أطراف خارجية، مشدّداً على أنّ ذلك يدخل في إطار الحرية الشخصية.
يشار إلى أنّ زوجات المعتقلين والمفقودين في إدلب وريفها ما زلنَ يعانينَ من فقدان الأمن والأمان وعدم الاستقرار والحاجة المادية وقلة فرص العمل المناسبة، فضلاً عن ارتفاع الأسعار والظروف المعيشية الصعبة.